الأربعاء، 31 أغسطس 2011

الشريعة الإسلامية والقوانين الوضعية!


عندما نقارن بين القانون وبين الشريعة، فإننا نقارن بين قانون عصري متغير متطور يسير حثيثاً نحو الشمول والكمال كما يقال، وبين شريعة نزلت من ثلاثة عشر قرناً لم تتغير ولم تتبدل فيما مضى ولن تتغير أو تتبدل في المستقبل.

ولا تصح المقارنة .. فالشريعة الإسلامية التي يصفها البعض بالقدم خير من القوانين الوضعية التي يصفها البعضُ بالحديث المتغير، وأن الشريعة الإسلامية على قدمها أعظم من أن تقارن بالقوانين الوضعية الحديثة ، ومهما أضيف لها من آراء ومستحدثات إلا أنها لا تزال في مستوى أدنى من مستوى الشريعة.

والمقارنات يجب أن تكون على دراسات علمية وحجج منطقية وليس على ادعاءات نظرية ، لأن الدراسة العلمية المبنية على المنطق والعلم تقتضيان القول بتفوق الشريعة الإسلامية على القوانين الوضعية وصلاحيتها لهذا العصر ولغيره ، فالقائلون بعدم صلاحية الشريعة لحاضرنا هم فريقان: فريق لم يدرس الشريعة ولا القانون، وفريق درس القانون دون الشريعة وكلا الفريقين ليس أهلاً للحكم على الشريعة لجهله بأحكامها جهلاً مطبقاً، ومن جهل شيئاً لا يصلح للحكم عليه ، ولا يجوز القياس بين الشريعة والقوانين الوضعية لأنه لا يجوز القياس بين مختلفين ، لأن القاعدة أن القياس يقتضي مساواة المقيس بالمقيس عليه ، فإذا انعدمت المساواة فلا قياس، و يكون القياس باطلاً.

والقائلون بعدم صلاحية الشريعة للعصر الحاضر يبنون رأيهم على قياس الشريعة بالقوانين الوضعية، ولا مساواة بين الشريعة وهذه القوانين ؛ فيكون قياسهم باطلاً ، وادعاؤهم بعدم صلاحية الشريعة للعصر الحاضر ادعاء باطلاً، لأنه بني على قياس باطل، وما قام على الباطل فهو باطل.

والشريعة تختلف عن القانون وتتميز عنه بصفات جوهرية ولأجل ذلك سأتعرض فيما يلي لمسألة نشأة القانون ونشأة الشريعة ووجوه الخلاف بينهما ومميزات كل منهما، وسيظهر ذلك حقيقة الفارق الجلي والواضح بين الشريعة والقانون لمن لا يحسن التفريق بينهما

أولا:

1- نشأة القانون:

ينشأ القانون الوضعي كالوليد صغيرا ثم ينمو حتى يبلغ أشده في الجماعة التي ينظمها ويحكمها ثم يتطور فتزداد قواعده ونظرياته كلما ازدادت حاجات الجماعة للتطور والنمو لذلك فالمجتمع هو الذي يخلق القانون الوضعي ويصنعه على الوجه الذي يسد حاجاته .

وعلماء القانون الوضعي عندما تحدثوا عن نشأته وظهوره قالوا : إنه بدأ يتكون مع تكون الأسرة والقبيلة، وإن كلمة رب الأسرة كانت قانونها ، وكلمة شيخ القبيلة كانت قانونها، وإن القانون ظل يتطور مع الجماعة حتى تكونت الدولة .

ومن أجل ما سبق تطورت القوانين الوضعية وأصبحت قائمة على نظريات لم يكن لها وجود في العهود السابقة ، وأساس هذه النظريات الحديثة العدالة والمساواة والرحمة والإنسانية مما أدى شيوع تلك النظريات في العالم إلى توحيد معظم القواعد القانونية في كثير من دول العالم، إلا أنه بقي لكل دولة قانونها الذي يختلف عن غيره من القوانين في كثير من الأمور لهذا فإن القوانين الوضعية لم تصل إلى ما هي عليه الآن إلا بعد تطور طويل بطئ استمر آلاف السنين.

2- نشأة الشريعة: لم تكن الشريعة قواعد قليلة ثم كثرت ولا مبادئ متفرقة ثم تجمعت، ولا نظريات أولية ثم تهذبت، ولم تولد الشريعة مع الجماعة ثم سايرت تطورها ونمت بنموها، وإنما وُلدت شابة مكتملة، ونزلت من عند الله شريعة كاملة شاملة جامعة للناس كافة ولم تأت لجماعة دون جماعة ، وانما الشريعة السامية التي استطاع علماء القانون الوضعي أن يتخيلوها بعقولهم وتطلعاتهم لكنهم لم يستطيعوا أن يوجدوها ولقد جاءت الشريعة من يوم نزولها بأحدث النظريات التي وصل إليها أخيراً القانون الوضعي مع أن القانون أقدم من الشريعة.

ثانياً القواعد :

1- القوانين الوضعية وضعت تتفق مع حال الجماعة المؤقتة فهي قواعد في مستوى الجماعة اليوم ومتخلفة عن الجماعة غداً ، لأن القوانين لا تتغير بسرعة تطور الجماعة ، وتستوجب التغير كلما تغيرت حال الجماعة ، لذا فالجماعة هي التي تلون القانون بعاداتها وتقاليدها وتاريخها ، والأصل في القانون أنه يوضع لتنظيم شئون الجماعة ، ولا يوضع لتوجيه الجماعة ومن ثم القانون متأخراً عن الجماعة وتابعاً لتطورها ، وهو من صنع الجماعة ليس العكس وإذا كان هذا هو الأصل في القانون من يوم وجوده، فإن هذا الأصل قد تعدل في القرن الحالي، وعلى وجه التحديد بعد الحرب العظمى الأولى، حيث بدأت الدول التي تدعو لدعوات جديدة أو أنظمة جديدة تستخدم القانون لتوجيه الشعوب وجهات معينة، كما تستخدمه لتنفيذ أغراض معينة.

فعلي سبيل المثال:

أسبق الدول التي أخذت بهذه الطريقة (روسيا الشيوعية، وتركيا الكمالية، ثم تلتهما إيطاليا الفاشستية وألمانيا النازية) ثم اقتبست بقية الدول هذه الطريقة، فأصبح الغرض اليوم من القانون تنظيم الجماعة وتوجيهها الوجهات التي يرى أولياء الأمور أنها في صالح الجماعة.

3- الشريعة الإسلامية: هي من صنع الله الذي أتقن كل شئ خلقه ولم تأت نظراً لتطور الجماعة كما هو حال القانون الوضعي وأنما أتت على سبيل الدوام لتنظيم أمور المجتمع .

لذلك فالشريعة تتفق مع القانون في أن كليهما وضع لتنظيم الجماعة، ولكن الشريعة تختلف عن القانون في أن قواعدها دائمة ولا تقبل التغيير والتبديل وتلك المزايا الموجودة في الشريعة تقتضي منطقا يميز الشريعة عن غيرها من القوانين الوضعية الا وهو تميزها بالمرونة والعموم حيث تتسع لحاجات الجماعة مهما تطورت الازمان والسمو والدقة بحيث لا تتأخر في وقت أو عصر ما عن مستوى الجماعة.

والحقيقة ان الفوارق كثيرة وما ذكرته قدراً هيناً وبسيطا وان ما يظهر عظمة التشريع الاسلامي ليس فقط العظمة التي يستمدها التشريع من عموم وشمول وسمو ذاتيته وخصوصيته التي يتمتع بها وانما من التطبيق ومسلك المسلمون اللذين تخاطبهم القواعد الشرعية وقدرتهم على الوسطية والعدالة .

تجدونه من خلا ل هذا اللينك بصحيفة المرصد 














ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق