الأربعاء، 31 أغسطس 2011

التدين ليس نوعا واحدا


في ظل زحمة الافكار الواردة إلينا من الخارج وفي ظل هزات المسلمين في الداخل الناتجة عن أخطاءهم في التطبيق وعدم فهم القواعد الشرعية الفهم الصحيح.
على الرغم من كون الإسلام منهج حياة يزخر بكل ما يدل ويرتقي بطبيعة الإنسان في هذا الوجود بأحكام وتشريعات راقية في العدالة والمساواة والاخاء بشرط أن يقابلها تطبيقا يتتواكب مع ما اتى به التشريع وفي إطار حيزه .
والله عز وجل قد اعطانا تشريعا غاية في السمو والدقة وقد كرم الانسان االذي يخاطبه التشريع ، والحقيقة أن هذا العطاء السامي يجب أن يقابله من الإنسان الحكمة في التصرف والتعامل بمنهج الوسطية والاعتدال .
وفي شأن الحديث عن عظمة الاسلام وسموه وما عليه الوضع الراهن يجب ان اتناول أمر المطبقين .. خاصة أن الأسلام عند غير المسلم ينحصر في سلوك المطبقين وبما يتلقونه من احتكاكات ، نظرا لكون ذلك ناتجاً من شيء اساسي وهو تواجد الانسان بصفة عامة مسلما أو غير مسلم على ظهر هذا العالم .
وفي امر المطبقين يجب أن اتناول الدعاة على اساس كونهم اقصى منظور للتدين في مجتمعاتنا الاسلامية أو الفرد المسلم العادي الذي يزعم لنفسه أنه متديناً على اساس أن الداعي والمتدين .. كلاهما يتخذ افتراضاً قدوة يقتدي بها في اللفظ والفعل بما يفرخه ذلك للمجتمع لانواع من رجال التدين وليس نوعا واحدا يصح أن تقول معها أن هذا متديناً بوعي أو هذا متدينا باعتلال أو هذا متدينا بعنف.
ان الله تعالى ميز هذه الأمة ( أمة الإسلام ) بالوسطية بين الأمم فقال عز وجل )وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا( (البقرة: 143) فما أشد من خطراً على الإسلام من الرجال اللذين يظهروا تدينا معتلا وغير واعي يهدم ولا يبني فهو مقدمة لشرور كثيرة .
والتدين الصحيح هو صدق التوجه الى الله عز وجل بفطرة سليمة نقية من شوائب النفوس ، شوائب المغزى الاجتماعي أو الاقتصادي أو السياسي في شكل يصل بعقدة التوحيد الى سهولة ويسر تظهر التسامح والتواصل والتراحم والتواضع لله تعالى والتواضع للناس.
وما احوجنا في ايامنا تلك الى التزام المنهج الوسطي القويم، فمضمون الاعتدال والاستقامة انهم وسط ما بين طرفين هما: الإفراط والتفريط ، خاصة وان الاسلام جاء ليلغي عبودية البشر للبشر سواء أكان مسلما أم غير مسلم ، وذلك في كل صورة من الصور.
فالاعتدال هو التوسط والتزكية وهي مناهج سامية رسخها الانبياء وأتباعهم ، والوسطية تعبر عن الوعي والادراك والاعتلال بالغلو وتجاوز الحد مصداقا لما ورد من السنة النبوية المطهرة وقوله r { إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ}.
فالاسلام المبني على التدين الصحيح الواعي لا يقصد به التعبد فقط بشعائر الدين ، ويكون الانسان في الحقيقة بعيد عن التطبيق الواعي للقواعد الشرعية ولكن التعويل دوما على التطبيق الذي يبنى اساسا على فرض الوسطية والمرونة واللين وليس على الشدة والغلظة والقسوة .
إلاّ أن هذا الفرض مخالفاً لما عليه الواقع ، وذلك بما يؤكده بعض هولاء الدعاة المعتلون وبعض المتدينون المعتلون نظرا لظاهرهم المعتل لفظا ً بالترهيب المستمر أو بالاعتلال في الفعل الذي يتمثل في توصيل الرساله بعنف مما يؤدي الى نتيجة واحده في النهاية .. وهي الخيبة في حمل موكب الدعوة الإسلامية وعدم وصولها الى أن يكون المسلم مسلماً واقعاً لا لفظاً ويتدين في التعامل مع الآخرين بالتدين الواعي وليس الى تدين معتل من نفس نوعية من اقتدى بهم أو سمع لهم ، ذلك الذي يؤدي الى اثارة الاحقاد والضغائن والمشاحنات ويبعد كل البعد عن الوسطية التي تعد مظهرا رئيسا من مظاهر الاسلام.
ومن الاعتلال أن يظهر البعض أن التدين مبني على الانعزال عن آراء الآخرين وحرياتهم والتشدد نحو افكار وآراء معينة تهدف الى الاحاطة بسياج واقي على فكرة او مطلب عقائدي للحفاظ على الاسلام والمسلمين ، وانما الاسلام من الوضوح الساطع في هذا المعنى - ومن العمق والقوة كذلك - بحيث يظهر أنه ليس هنالك أمل في انجاح المحاولات التي تصوره في صورة العقيدة الوجدانية المنعزلة عن واقع الحياة الانسانية .
ولا يجوز أن يكون التدين طارئا ، فيظهر على اساس مظلة قانونية وشرعية للأهداف بحيث يتم استدعاءه واحضاره في أي وقت لجني المكاسب الاقتصادية أو السياسية أو غيرها من مكاسب الدنيا ، وان ذلك يظهر معه الاسلام للمسلمين ولغيرهم بمثابة مستعمر اذا تمكن أهلك ويرعب ويذل ويطغى كالقوة المتوحشة .

محمد جلال عبدالرحمن

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق