الأربعاء، 31 أغسطس 2011

مقالي المنشور بجريدة يناير (اللذين يعلمون ولا يعلقون )




محمد جلال عبد الرحمن يكتب :اللذين يعلمون ولم يعقلون ..‏
السبت, 06 أغسطس 2011 02:34
قد يصيبك سهم المفاجأة عندما ترى في طريقك وأنت على درب متاعب الحياة أن هناك من لم يقرأ أو يكتب من علوم الحياة ومسائله شيئا إلا إنك تراه قد أوتىَ من العلم والدراية ثم الخبرة والعقل الكثير ، ولديه من العدالة ما هو دقيق بما لا يترك أدنى شبهة في مظلمته للآخرين باللفظ أو الفعل .
وإنني اقصد بالعلم هنا روحه وليس علم الكلمات والمراجع الذي أتى من التلقين ، فمن الناس من تجده قد أتاه الله المنطق الذي يجعله يميز به ويرجح أن فعل ما ، يجوز أو لا يجوز حتى وان كان محل ما يجيزه في الكيمياء أو الفيزياء أو الرياضة ، فمثلا قد تجد رجلا قرويا بسيطا يميز في زراعاته ما يصح وما لا يصح دون دراسة ولا تلقين من عالم زراعي أو قد تجده يعقل في العمليات الحسابية ما لا يعقله معلم للرياضيات .
أو تجد شخصا قد أوتي روح الشريعة الإسلامية بسماحتها وتيسيرها دون أن يعلم أو يلقن بشيء من علومها بما يجعله أفضل من الدعاة اللذين درسوا وتعلموا وتلقنوا ولقنوا الناس دون أن يعقلوا عمق ما وصلت إليه الشريعة من سمو في الغاية أو الهدف فيناشدوا الناس بالرحمة واللين لا بالتنطع والغلظة .
وحقيقة الفارق بين رجل لم يتعلم ولم يدرس شيئاً لكنه يعقل وبين رجل درس وتعلم ولم يعقل هو أن الأول قد أخذ من التلقين والسماع من هذا وذاك الفاعلية والبناء أما الآخر قد اخذ من غيره الكلمات ولم يتوصل عقله إلى أن العائد من تعلم العلوم وتحقق مضمونها يقتصر على تنفيذها على النفس قبل مخاطبة الآخرين بها .
واقصد بالفاعلية تلك التي يفتقدها الكثير في أوطاننا وبسبب انعدامها يقع في أحيان كثيرة فشل المواطن والمسئول ، فما أكثر العلم بكافة مضامينه التي تلقى وتلقن على مسامع الناس في كل يوم بكافة الوسائل المرئية أو المسموعة أو المقرؤة لكن المأساة هي أن تلقن الناس العلوم دون أن تعلملهم كيف يعقلونها ثم يفعلونها وتصير في دائرة البناء والتنفيذ .
أن العبرة في نجاح الأمم بالفاعلية فهي التي تبني وليس بتلقين العلم مهما كان مضمونه سواء أكان شرعيا أو علميا من شخص إلى آخر ثم إلى شخص آخر أو حتى من مؤسسة علمية أو دينية إلى أخرى .
والحقيقة أن السبب الذي جعلنا نتعامل في أحيان كثيرة مع متدينا أو مهندسا أو طبيبا معتلاً هو أن تلقيهم للمعلومة كان من معتل نظر نظرة إقلال لأي علم يلقيه وذلك بقصره على الشق اللفظي وكأنه يملأ صدور الناس بخزائن الكلمات دون التطرق لكيفية تفعيلها في نفوس المعلمين أو المتعلمين بسوء الطرح الذي طرح به العلم وبذلك تجده أول من يطوله التقصير في التطبيق ، وذلك لأن القاعدة التي تعلمها لم تخاطبه في قلبه حتى يكون علمه وعمله متلازمان كالشخص والظل سواء ، وإنما خاطبت لسانه فتعلم كيف يحفظها فقط فمثلا بالنسبة للمتدين أو الداعية المعتل الذي يقول ولا يفعل ويطلب من الناس الصدق وهو غير صادق أن ذلك قد أخذ وتلقن علم الشريعة وحفظه دون أن يفهم كيف يتم تفعيله على نفسه أو كيف ينشد في الآخرين تفعيله عندما يعلمهم إياه وكذلك الطبيب وكذلك المهندس .
وهولاء يقول فيهم الشاعر عبدالله السلولي " إذا نصبوا للقول قالوا فأحسنوا ولكن حسن القول خالفه الفعل وذموا لنا الدنيا وهم يرضعونها أفاويق حتى ما يدر لها ثعــل" إذن فالمشكلة تكمن في أن هولاء قد علموا أو حتى تمكنوا من العلم دون أن يعقلوه ويعلقوا علم الآخرين به على الفاعلية التي هي مصدر الثواب والعقاب حتى عند الله عز وجل ، والدليل لذلك ما ورد عن السنة النبوية المطهرة فيما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى قال"إن الله كتب الحسنات والسيئات، ثم بين ذلك، فمن هم بحسنة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة، وإن هم بها فعملها كتبها الله عنده عشر حسنات إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة، وإن هم بسيئة فلم يعملها كتبها الله عنده حسنة كاملة وإن هم بها فعملها كتبها الله سيئة واحدة" وبهذا يكون الإسلام يقرر العقاب والثواب على الأفعال أو الأعمال وليس فقط مجرد الكلمات.
وإن الواقع يقرر أن مشكلاتنا كلها معلقة على التفعيل وضرورة ربط العلم بالعمل في جميع مجالات حياتنا بكل صورها في علومنا وفي عهودنا واتفاقاتنا ومن ينظر بطرف عينه يجد انه حتى القوانين والدساتير ينقصها التفعيل وربطها بالتفعيل وليس فقط بتشريعها . نعم ما أحوجنا للبناء الفكري في نفوس المتلقين بعد حالة الضعف في أوطاننا والتي أطبق عليها عزلة الفقر الفكري من ناحية ، وتكالب الشعوب الأخرى العاملة بكل جد واجتهاد والتي ترى من منظورها أن أطماعها فينا بل والسعي للقضاء علينا هي ملحقا من ملحقات النجاح والجد والاجتهاد .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق