الحقيقة لا اقصد بكلمة الخوارج هنا كل من يخرجون ويأتون بأفعال تخرج عن مسلك العقيدة السماوية لأهل الديانة الإسلامية والديانة المسيحيةسواء أكان ما سمعنا عنه في الآونة والأحداث الأخيرة من يد من خرجوا عن تعاليم الإسلام السمحة ومبتغاة على الأرض أو إن كان هذا الفعل أتي من بعض الخوارج عن الديانة المسيحية ومبتغاها ومسلك البعض من هنا وهناك من المتعصبين والمتعطشين .
ولكني اقصد معها كل من خرجوا عن المألوف ومبادئ الإنسانية من الاقتصاديين الكبار الذي يأتينا كل يوم نبأً بخروج أحدهم عن قواعد الشرف والوطنية بتهريبه أموال الشعب ودمهم الذي سلبه وبدلاً من أن يصب في أفواه الفقراء وأبناء وطنيته ليجدد لهم الحياة لتستمر يقوم بسفكها ليهرب بها خارج الوطن ليخرج بذلك عن المألوف لقواعد الوطنية والمسلك المعتاد .
واقصد معها السياسيين الذين استبدلوا بمصلحة المواطن مصالحهم وأهواهم الخاصة وقاموا بتزوير وإخفاء إرادة الشعب الطبيعية ليعلنوا بذلك ثورة على المصلحة العامة حتى قضي نحبها ولم تعد تذكر مصلحة العامة إلا على سبيل الجدل والنقاش الهازل في المجالس الذي أعده سخرية من عامة الشعب وذوي الفكر المحدود .
واقصد معها خوارج الأدب والفكر (الشعراء والكتاب والمفكريناللذين يغذون عقول الشباب وعماد الوطن بمصطلحات البعض منها رديء سطحي والبعض منها هابطاً ومشككا حتى فيما أتت عليه العقيدة سواءا من الجانبين المسلمين أو مسيحيين ، والميل لسلوكيات احسبها منحرفة صنعت مواطناً أجوف لا تراه إلا في مظاهرة يرن كآنية نحاسية باردة إذا أوقدوا نار الأمن بأسفلها فقدت صوتها وعادت الى جحرها ولا يستطيع حتى أن يحصل على ادني حقوقه ولا يرى في ذلك حلاً الا الفوضى والعبث بمقدرات وطن اهترأ في كافة مجالاته وبات كالمريض الذي يلملم جراحه حتى يستطيع الاستمرار.
واقصد الخارجين في الفن عن رسالة الفن التي ترقي مشاعر وسلوكيات المواطن وما قدموه لجيل هذا الوطن وما ترسخ في ذهن أبناءه عبر البعض من (الأفلام والأغاني والبرامج والدرما الهابطة وما اصبح عليه المواطن فلا تجده إلا انحدر فكره واهتماماته وبات قماشة رديئة فقدت حتى قدرتها على الإنسياب مع أحداث الوطن وتحوله اقتصاديا واجتماعيا وثقافيا بتحول العالم من حوله فما تراها الإ قماشة صماء وقفت عند حدودها ولم تتقدم .
والحقيقة أن الخارجين عن المألوف والقواعد كثيرين جدا في المحروسة والمجال لا يسعفني هنا كي اذكرهم ولكن ما أؤكده انه لا شك أن لهولاء الخارجين بإجتماعهم وبألوانهم المتعددة عن القواعد التي يقبلها المجتمع آثار عظيمة نلمسها في زماننا هذا فساداً وانحطاطا أخلاقيا وضعف الولاء وخلع لباس الوطنية عن الكثيرين وضيق وتعسر في الأحوال ويأس في الحياة وظاهرة انتحار الشباب وكل ما يستتبع خروجهم وأخطاءهم في حق الوطن من فتن عظيمة يعيشها مجتمعنا المصري حاليا إلا أنها يسيرة إذا ما قورنت بخوارج العقائد فما أشدهم على الترية التي يعيشون بداخلها فما يجني الوطن من خروجهم إلا الزوال والهلاك ، وما أشد وطأة على ظهر الوطن وحملاً من صراع يتصارعه مجموعة من الخارجين والمتعصبين لعقائدهم ضد عقائد غيرهم من هنا وهناك وما ذلك إلا خروجاً على إهلاك مفترض وفتنة عظيمة ويجب على الدولة بما تمثله من سيادة على مواطنيها الضرب بيد قابضة مع جميع فئات الشعب لتجتمع على إهلاك الخوارج عن العقيدة من الجانبين وما تقتضيه من عدم المساس بالأرواح وعدم العبث بمقدرات ومقدسات هذا الوطن مصر ونسير في ظل سامح وعدل الإسلام الحقيقي وفطرتنا التي وجدنا في هذا الكون عليها وليس كما يريدنا الخوارج .
والتاريخ قد دون شهادة غير المسلمين للإسلام ولأهله بحسن المعاملة والسماحة العظيمة .
1- فمن ذلك ما كتبه نصارى الشام في صدر الإسلام حيث كتب النصارى في الشام سنة 13هـ إلى أبي عبيدة بن الجراح رضى الله عنه يقولون:" يا معشر المسلمين أنتم أحب إلينا من الروم وإن كانوا على ديننا أنتم أوفى لنا وأرأف بنا وأكف عن ظلمنا وأحسن ولاية علينا" (1) . واستمر هذا النهج في معاملة غير المسلمين عبر تاريخ الإسلام .
2- ما قاله المستشرق الإنجليزي توماس آرنولد فيمن يعيشون في الوقت الحاضر من طوائف عديدة من النصارى في بلاد الشام ومصر وبلاد المغرب العربي وهي شاهد على سماحة الإسلام حيث يقول :
إن العرب المسيحيين الذين يعيشون في وقتنا هذا بين جماعات مسلمة لشاهد على هذا التسامح ويقول أيضا : "لما كان المسيحيون يعيشون في مجتمعهم آمنين على حياتهم وممتلكاتهم ناعمين بمثل هذا التسامح الذي منحهم حرية التفكير الديني تمتعوا وخاصة في المدن بحالة من الرفاهية والرخاء في الأيام الأولى من الخلافة" (1) .
3- وتقول المستشرقة الألمانية زيغريد هونكه : " العرب لم يفرضوا على الشعوب المغلوبة الدخول في الإسلام فالمسيحيون والزرادشتية واليهود الذين لاقوا قبل الإسلام أبشع أمثلة للتعصب الديني وأفظعها سمح لهم جميعا دون أي عائق يمنعهم بممارسة شعائر دينهم وترك المسلمون لهم بيوت عبادتهم وأديرتهم وكهنتهم وأحبارهم دون أن يمسوهم بأدنى أذى ، أوليس هذا منتهى التسامح ؟ أين روى التاريخ مثل تلك الأعمال ومتى ؟ ومن ذا الذي لم يتنفس الصعداء بعد الاضطهاد البيزنطي الصارخ وبعد فظائع الأسبان واضطهاد اليهود إن السادة والحكام المسلمين الجدد لم يزجوا أنفسهم في شئون تلك الشعوب الداخلية فبطريرك بيت المقدس يكتب في القرن التاسع لأخيه بطريرك القسطنطينية عن العرب إنهم يمتازون بالعدل ولا يظلموننا البتة وهم لا يستخدمون معنا أي عنف" .
4- ويقول غوستاف لوبون فالحق أن الأمم لم تعرف فاتحين راحمين متسامحين مثل العرب ولا دينا سمحا مثل دينهم ويتحدث عن صور من معاملة المسلمين لغير المسلمين فيقول وكان عرب أسبانيا خلا تسامحهم العظيم يتصفون بالفروسية المثالية فيرحمون الضعفاء ويرفقون بالمغلوبين ويقفون عند شروطهم وما إلى ذلك من الخلال التي اقتبستها الأمم النصرانية بأوربا منهم مؤخرا .
5- ويقول هنري دي شامبون مدير مجلة "ريفي بارلمنتير "الفرنسية حيث قاللولا انتصار جيش شارل مارتل الهمجي على العرب المسلمين في فرنسا لما وقعت بلادنا في ظلمات القرون الوسطى ولما أصيبت بفظائعها ولا كابدت المذابح الأهلية التي دفع إليها التعصب الديني المذهبي ، لولا ذلك الانتصار الوحشي على المسلمين في بواتييه لظلت أسبانيا تنعم بسماحة الإسلام ولنجت من وصمة محاكم التفتيش ولما تأخر سير المدنية ثمانية قرون ومهما اختلفت المشاعر والآراء حول انتصارنا ذاك فنحن مدينون للمسلمين بكل محامد حضارتنا في العلم والفن والصناعة مدعوون لأن نعترف بأنهم كانوا مثال الكمال البشري في الوقت الذي كنا فيه مثال الهمجية ومن جانبي لأن الحديث يصدر من مسلما يمثل ديانته في سماحتها وما ذهبت إليه من مدلول السماحة منها بمعني المساهلة في التعامل وهذا يقتضي منا أن يعطي كل ذي حق حقه ويأخذ كل طرف أي حق تستبعه عقيدته مع الحفاظ على هوية مصر كدولة معالمها بحق الديانة الإسلامية وفي الحديث قال صلى الله عليه وسلم : « أحب الدين إلى الله الحنيفية السمحة »
وفي صدد هذا الحديث لم أجد اصدق قولا مما ورد عن سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وتحذيره من الخروج على سنته وهديه وإثارة الفتن .. فيما ورد عن حذيفة بن اليمان قال كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير ,وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني فقلت يا رسول الله إنا كنا في الجاهلية وشر فجاءنا الله بهذا الخير فهل بعد هذا الخير من شر ؟ قالنعم .قلت وهل بعد ذلك الشر من خير ؟ قالنعم وفيه دخن قلتوما دخنه ؟ قال قوم يهدون بغير هديي تعرف منهم وتنكر قلت فهل بعد ذلك الخير من شر ؟ قال نعم دعاة إلى أبواب جهنم من أجابهم إليها قذفوه فيها قلتيا رسول الله صفهم لنا فقال هم من جلدتنا ويتكلمون بألسنتنا قلت فما تأمرني إن أدركني ذلك ؟ قال تلزم جماعة المسلمين وإمامهم قلت فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام ؟ قال فاعتزل تلك الفرق كلها ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت وأنت على ذلك أخرجه البخاري ومسلم في صحيحه .
ومن أجل ما سبق يجب أن نقطع دابر الفتنة في مهدها وندرأ عن وطننا خطأ محققاً مثله مثل باقي الدول التي يتربص بها الكيان الصهيو أمريكي الذي استبد بالكثير ويجري في أحلامه حاليا أن يدخل مصر تحت مظلة استبداده ليتسع بالشراكة مع الصهاينة في
 السيطرة على الشرق الأوسط.
بقلم الكاتب محمد جلال  عبدالرحمن
تجدونه من خلال جريدة اخبار العرب