الجمعة، 2 سبتمبر 2011

إنهــــم كالخناجــــر فــــي خصـــر الوطـــــن

الوطنية قاعدة ملزمة في نفوس المخاطبين بها في نفس جميع المواطنين على أراضي الوطن إذ تستمد إلزامها وقوتها من قواعد الديانات السماوية كلاً بحسب ديانته أو بحسب منشأ التأصيل في نفسه فقد يكون الدين أو القانون الوطني أو كليهما معا ً أو قد يكون مقابل الوطنية هو النفع أو دفع الضرر .
والوطن يعرف في معجم المصطلحات السياسية الدولية : انه البلد الذي تسكنه أمة يشعر المرء بارتباطه بها وانتهائه إليها ، وقد ألف الجميع على معرفة المقابل لذلك في الحصر الحديث بالتجنس بجنسية دولة ما .
والحقيقة أن مفهوم الوطنية أختلف بشأن تعريفه وتحديده أغلب المناهج الفكرية ومن ضمن هذه التعريفات عرف البعض الوطنية بأنها : انتماء الإنسان إلى دولة معينة يحمل حنينها , ويدين بالولاء لها .
إلا أن الجميع يتفق على أن المفهوم العمومي الذي يعبر عن حالة الوطنية الصحيحة هو ( حب الوطن ) الذي قال عنه الأصمعي ( سمعت إعرابيا يقول : إذا أردت أن تعرف الرجل فأنظر كيف شوقه إلى أوطانه وتشوقه إلى إخوانه , وبكاؤه على ما مضى من زمانه.
والمشكلة لا تكمن في مفهوم الوطنية كتعريف ولكنها تكمن في مضمونها .. ما السلوكيات الواجبة على المواطن الصالح ليكون وطنياً صحيحاً ؟ ..
الكل يعلم ما هو الوطن وما هو مفهومه حتى وان جهله البعض لفظاً إلا انه معلوم بمضمونه بالضرورة لان الوطن حاله نعيشها ما حيينا كلاً بحسب بيئته أو نطاقه حتى نكون نهاية في وعاء يتوسط الوعاء الأكبر الذي يحتوي الجميع وهو الوطن .
ولا شك في أن الجميع قد صب في أذنيه منذ الصغر الكثير والكثير من القصص والحكايات التي تخلد في ذاكرتهم حب الوطن على آية حال سواء أكان في مصر أو في أي بلد آخر من البلدان العربية ، ولكن المشكلة اننا داخل الوطن العربي علمنا أبناءنا حب الأشخاص أو الأشياء دون أن نعلمهم ضابط السلوك الذي يصل بهم الى حب ينصف الوطن ويقدمه .
لا يختلف أحدا على أن كل من يعيش داخل وطن يأويه لا ينكر فضله عليه وحتى وان أنكر إلا انه لا يتمنى زواله.. لأنه الملجأ والملاذ الوحيد إليه فان لم يكن ملجأه الوحيد في تحقيق أحلامه إلا أن الوطن بات ملجأ في نفسه إلى نفسه وبات هو الضمير الذي ارتبط بالمولد والعادات والتقاليد والدين واللون وارتبط بالكثير من بنيته وتكوينه .
وفي رأي أن مجرد حب الوطن والانتماء إليه ليس فقط مبدأ به يقاس وطنية الأفراد أو الجماعات وإنما المقياس أحيله لتفعيل تلك المباديء التي تتسم بالمرونة السلوكية من شخص لآخر على الرغم من اتحادها في جميع الديانات السماوية وعند جميع الأجناس ، فالوطنية الصادقة هي الالتزام الداخلي نحو الوطن مما يجعل الإنسان يتبع القول بالعمل الجاد والمضني من اجل الوطن .
وان ما يحدث في مصر الآن من فرقة أوشكت على استحكام النفور بين أبناء الشعب تخالف الوطنية التي تبني وتسير في الاتجاه الصحيح فما أشد تأثيراً على الوطن من فرقة أبناءه فرقة تبني نجاحاتها على التخوين فيما بينها .
إن نظرية الاختلاف بين الناس متاحة ما دام البشر في حالة احتكاك وتجاور ولو كانت الحياة كلها وفاقاً لعاش جميع الناس في ميزان لا يعلم أشخاصه متى يفقدون ومتى يكتسبون وما مقدار علمهم ووزن شخصياتهم بل إن الاختلاف هو طريق جائز التماسه في مسيرة الحالية بحالتها وحريتها ، أما نظرية التخوين والتكفير والإقلال من حجم هذا لصالح ذاك ليست متاحة ولا جائزة في أي مجتمع يألف أصحابه وينشدون فيه الاستقرار .
أن مصر تحيا فترة اللين وفترة الشدة وتحيا فترة الضعف وفترة القوة وان هذا الوطن به حدا ًفاصلاً لابد أن يراه أبناءه ومواطنيه ويعلمونه جيدا يدركون من خلاله ما يجوز وما لا يجوز بحق لهذا الوطن حتى يرفعوا عنه مخافة العقلاء من السقوط في بئر الضياع والانزواء خلف الزمن المجهول .
ويجب أن يدرك الجميع أن مصر لقمة مرة وغير سائغة إذا توحدنا وستضيع ويضيع بنا الوطن إذا تفرقنا وتركنا كلا يعوي بمذهبه واتجاهه دون أن ينصت لنداء الوطن بوجوب الانصراف إليه نحو البناء ولا ننشغل بغيره عنه .
إن قيمة الوطن تاج على رأس كل مرابط فيه مهما كان سعده وشقاه ولا يدرك قيمته إلا عندما ينوي الرحيل أو ينتظر في رحيله عواء السفن والبواخر في كل ليلة يناقش فيها واقعه وواقع أحفاده القادمون فيما وصل إليه وطنه .
وأخيراً يجب أن يدرك أبناء الشعب المصري أمران :
أولا : أن وطننا ليس مجرد وطن قطري يقتصر على أشخاصه ولكنه وطن قومي بما عليه حقيقة روابطه العربية التي اشترك في نسجها عبر التاريخ والأزمنة بالنسب والدم المشترك واللغة المشتركة والمصلحة المشتركة
ثانيا : أن المتفرقون داخل الأوطان هم خناجر مسمومة في خصر الوطن ، إذا دبت في جسده اندست اثر جراحها أعداءه .

محمد جلال عبدالرحمن 

منشور بجريدة دنيا الرأي 
تجدونه من خلال هذا اللنك :
http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2011/08/31/236399.html



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق