السبت، 3 سبتمبر 2011

فلسفة الثورة ومقياس نجاحها (1)

إن ثمرة الثورة تجعل في نفس كل ثائر أو مواطن النظرة والترقب النفسي في انتظار النتائج التي تترتب عليها من قيم عميقة لا تنحصر فقط في مجرد تنظيم أو تكريس الحقوق والحريات والعدالة الاجتماعية بل في إعطاء الحرية والمساواة والعدالة منظوراً آخر ومردودا مغايرا لما كان عليه نظامها بكل مؤسساته فيما سبق حتى انك ترى ان كل فرد في الدولة بات حراً يقول ويفعل ما يشاء وتساوى الفقير مع الغني ان لم يكن ذلك ظاهراً فيكن هناك عدم رضاء النفسي عن تلك الفوارق .
وتلك الرغبة الملحة أو النظرة الشعبية تنتظر الفاعلية في تنفيذ القوانين التي كانت موجودة في عهد ما قبل الثورة إلا أنها كانت ملغاة أو لا تفعل وتنفذ عند أشخاص أو نطاقات محددة قد يعتبرها الفاسدون على المواطنين مناطق مظلمة وقد تعمدوا لها ذلك خوفاً من اختراق ضوء القانون إليها ليكشف عوراتهم .
وان العبرة من الثورات ومقياس نجاحها هو مقدار العمق والدقة للنظام الجديد في كافة المجالات من ناحية الفاعلية ، لان ذلك هو الأساس الذي نشأت من اجله الثوره.. ذلك الذي يستنبط او يستدل عليه ايضاً من إكساب المواطن حقوقه التي كانت مهدرة حتى ولو كانت هناك قوانين ترعى تنفيذها إلا أن واقع الحاكمين أو القائمين على رعاية هذه القوانين كان بين أمرين إما بالامتناع عن تنفيذها أو تنفيذ ما يخالفها وفي كلتا الحالتين ترتب على ذلك إفساد المجتمع .
وفي شأن الحديث عن ثورتنا المجيدة ثورة 25 يناير فان كل فرد في المجتمع المصري ينتظر سيادة للإرادة العامة للدولة وليست تلك السيادة التي كانت سائدة في عصر مبارك والتي كانت تطل علينا بسيادة الفردية التي تتزوجها الإرادة العامة للدولة ومع هذا الاقتران والازدواج يصبح بعد ذلك القانون بمثابة قوة غير مستقلة تضرب وتهدم كل ما يقف في طريقها الخاص ومآله في نية المنفذين للقانون بتعددهم في المسئولية وتعدد درجاتهم.
وعلى الرغم ان بعض الفقهاء أو جمعا من السياسيين يربط الوضع الذي تأخذه حقوق الإنسان بالشكل الذي تأخذه العلاقات القائمة بين مكوِّنات المجتمع السياسي الثلاثة وهي ( الفرد والجماعة والسلطة) تلك العلاقات التي تنظمها وتحددها الأسسُ التي يقوم عليها النظام الأساسي للدولة ، وهي ترى ان حقوق الإنسان في أي مجتمع لا يمكن ان يأخذ وضعا معينا سواء أكان سلبيا أم ايجابيا بالبعد عن نظام الدولة ، فوضع الدولة مثلاً في نظام ثيوقراطي غير وضعها في نظام ديمقراطي ، ووضعها في دولة قانونية غير وضعها في دولة من نوع آخر يتحكم فيها إرادة المتسلطين على السلطات .
أما بالنسبة لي فلا شك عندي مطلقاً بان حقوق الإنسان لا يجوز أن تتغير في ظل أي نظام مهما تغير النظام السياسي للدولة سواء أكان نظامها مثلاً ديمقراطي أو ثيوقراطي أو غير ذلك وغير ذلك يعد الوضع الشاذ الذي يجب إنهاءه والقضاء عليه ، وإلا لما اجزنا لأنفسنا وللثوار حق التهنئة بما يحدث في الثورات من حقيقة الانتفاض على حق الحكام أو المسئولين المقدس والذي حل محله حق الفرد ، أو لما أجيز لنا حق الثورة على سلطان هولاء المطلق الذي أحلّت محله سلطان الأمة ومن يبحر في قواعد القانون الدولي يجد ان الثوار معترف لهم بحق المحاربين .
والمثال ايضاً الثورة الفرنسية التي نشبت في العام 1789 م والتي كانت ثمرة المذهب الفردي قدمت نموذجاً للمجتمع السياسي الذي يقوم ويطل على العالم بتمجيد الفرد وتكريس الحرية والمساواة وبالتالي فهو مؤكد على سلطة الأمة ؛ وكانت بذلك انتقاضاً على حق الملوك المقدس ، وحل محله حق الفرد ، وعلى سلطانهم المطلق الذي أحلّت محله سلطان الأمة .
والحقيقة ان ما يستثير مشاعري دوما ويطالبني بالبحث عن تأريخ يحدد إلى أي نسب نحن ننتسب ؟ .. هو واقع العالم العربي والإسلامي الذي تأسس على إهدار حقوق الإنسان بكل حدة وان وجدت شيء منها تجده كزخارف على نقش جدار مهدم لا ترى فيه إلا شكلا والمضمون خرب وأجوف .
والصدق على الرغم أنني لا زلت استزيد من كتب الشريعة وأنوى المزيد من العمق إلا ان حتى الآن اصل إلى ان حقيقة الواقع الذي نعيشه في العالم العربي والإسلامي ليس إلا واقعا متناقضا للعقيدة الإسلامية وحتى للمباديء الإنسانية ويعدني إلى نقطة البداية والتي خالفت فيها جمهوراً نادى باختلاف حقوق الإنسان بحسب النظام السياسي ، ذلك الذي يخلق بتطبيقه من البشر بيضا وسودا في أعين القانون وفي أعين الدول الأوروبية التي تدعى الفوقية على المواطن العربي والإسلامي .
وما دمت قد خلصت في نتيجتي المبررة والتي لا يرتضى سواها أي مواطن عربي حر أقول بأنه يجوز الثورة على كل نظام قام بتكييف حقوق الإنسان في وطنه بحسب نطاقه وبحسب نظامه السياسي حتى بل انه قام بتكييفها في داخل وطنه بحسب هوائها صحراوي أو نيلي .
وان هولاء هم من خلقوا الإسلام الصحراوي والإسلام النيلي والإسلام الشامي وكيف لا ؟ .. ولكل سلطان داعيته ذلك الذي جعل حتى مباديء الإسلام السامية تعطي فردا في مكان ما وتأخذ في مكان آخر والحق ان قواعد الإسلام واحدة موحدة ولا أظن ان من الإسلام توزيع صكوك بالكفر على الناس كما يحدث في الآونة الأخيرة بمصر بعد الثورة أو تكفير الناس في بعض الدول العربية الأخرى .
ان الإسلام الذي تربينا عليه وتعلمناه في مدارسنا وفي شوارعنا ذلك الإسلام الرقيق الذي انطقه علينا المجتمع أباءا وأجدادا وشيوخاً ، فكف عند ذلك وعكفنا عليه بمبادئنا وترك هو التنفيذ في نفس كل مسلم كلا بحسب عمله يجازى ثواباً وعقاباً ولم نعتد الإسلام الذي يبطش باليد أو يلفظ باللسان أو حتى يجرح مشاعر الآخرين .
للتنويه :
في شأن الحديث عن ثورتنا المجيدة ثورة 25 يناير أنني لا زلت متمسكاً بالامتناع عن تقييمها حتى الآن بصدد النتائج أو الحقوق التي يفترض حصول الفرد عليها ثائرا او مواطناً وذلك حتى أكون في إطار العدالة الدقيقة التي أتمناها لنفسي وانشدها في الوسط الذي أحياه وكي لا اصف الثورة أن كانت عظيمة بالثورة القليلة المنقوصة أو أصفها بالعكس ولا شك أنها أقامت بداية كياناً مفترضاً للدولة التي كان لا عهد لكلمة الفرد المدني بها .

محمد جلال عبدالرحمن
تجدونه من خلال هذا اللينك
http://pulpit.alwatanvoice.com/articles/2011/09/02/236513.html

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق